هَلْ تَسَاءَلْتَ يَوْمًا كَيْفَ تُعَبِّرُ اللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ عَنِ الشِّدَّةِ أَوِ الْكَثْرَةِ فِي صِفَاتِ الشَّخْصِ أوِ الشَّيْءِ؟ مَا السِّرُّ فِي اسْتِخْدَامِنَا لِكَلِمَاتٍ مِثْل "غَفَّارٍ"، "قَهَّارٍ"، أوْ "صَبُورٍ" بَدَلًا مِنْ صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ الْعَادِيَّةِ؟ وَهَلْ لِصِيَغِ الْمُبَالَغَةِ أَوْزَانٌ مُحَدَّدةٌ وَشُرُوطٌ لِصِيَاغَتِهَا أَمْ تُتْرَكُ لِلِاسْتِعْمَالِ اللُّغَوِيِّ فَقَطْ؟
ما هي صيغ المبالغة؟
صِيَغُ الْمُبَالَغَةِ هِيَ أَسْمَاءٌ مُشْتَقَّةٌ تُسْتَعْمَلُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْحَدَثِ بِكَثْرَةٍ أَوْ شِدَّةٍ أَوْ تِكْرَارٍ ، وَغَالِبًا مَا تُصَاغُ مِنَ الْفِعْلِ الثُّلاثِيِّ اللَّازِمِ أَوِ الْمُتَعَدِّي، والفعل الرباعي قليلًا، وَتُفِيدُ الْقُوَّةَ فِي الْمَعْنَى.
تخيل أنك تتحدث عن شخص يتمتع بصفة معينة بشكل كبير جدًا، لدرجة تلفت الانتباه. هذا بالضبط هو جوهر صيغ المبالغة في اللغة العربية.
ببساطة، صيغ المبالغة هي أوزان أو أسماء مشتقة من الأفعال، وظيفتها الأساسية هي إظهار أن الفعل أو الصفة تحدث بكمية كبيرة جدًا، أو بقوة ومبالغة ملحوظة. إنها طريقة لغوية لإضفاء نوع من التأكيد والتركيز على مدى اتصاف شخص أو شيء ما بصفة معينة.
فبدلًا من أن تقول "هذا الشخص صابر"، يمكنك أن تقول باستخدام صيغة مبالغة "هذا الشخص صَبُور" (على وزن فَعُول)، لتُظهر مدى صبره بشكل أقوى وأكثر تأثيرًا.
![]() |
صيغ المبالغة |
من الناحية اللغوية:
- هي أسماء مشتقة: أي أنها مأخوذة من أفعال ثلاثية أو غير ثلاثية.
- تدل على معنى الفعل: فهي تحمل في طياتها معنى الفعل الأصلي.
- للدلالة على الكثرة والمبالغة: وهذا هو الغرض الأساسي منها.
ما هي أشْهَرُ أَوْزَانِ صِيَغِ الْمُبَالَغَة ؟
فمَيا يَلِي أَبْرَزُ أَوْزَانِ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي كُتُبِ النَّحْوِ، مَعَ أَمْثِلَةٍ مُشَكَّلَةٍ:
-
فَعَّال
-
غَفَّارٌ: مِنَ الْفِعْلِ غَفَرَ – كَثِيرُ الْمَغْفِرَةِ.
-
قَوَّالٌ: مِنَ الْفِعْلِ قَالَ – كَثِيرُ الْقَوْلِ.
-
فَتَّاحٌ: مِنَ الْفِعْلِ فَتَحَ – كَثِيرُ الْفَتْحِ.
-
-
فَعُول
-
شَكُورٌ: مِنَ الْفِعْلِ شَكَرَ – كَثِيرُ الشُّكْرِ.
-
صَبُورٌ: مِنَ الْفِعْلِ صَبَرَ – كَثِيرُ الصَّبْرِ.
-
غَفُور: مِنَ الْفِعْلِ غَفَرَ – كَثِيرُ الْمغفرة.
-
-
فَعِيل
-
عَلِيمٌ: مِنَ الْفِعْلِ عَلِمَ – كَثِيرُ الْعِلْمِ.
-
رَحِيمٌ: مِنَ الْفِعْلِ رَحِمَ – كَثِيرُ الرَّحْمَةِ.
-
سَمِيعٌ: مِنَ الْفِعْلِ سَمِعَ – كَثِيرُ السَّمْعِ.
-
-
مِفْعَال
-
مِقْدَامٌ: مِنَ الْفِعْلِ أقْدَمَ – كَثِيرُ الْإِقْدَامِ.
-
مِعْطَاءٌ: مِنَ الْفِعْلِ أَعْطَى – كَثِيرُ الْعَطَاءِ.
-
مِهْذَارٌ: مِنَ الْفِعْلِ هَذَرَ – كَثِيرُ الْكَلَامِ بِلَا فَائِدَةٍ.
-
-
فّعِل
-
حَذِر: مِنَ الْفِعْلِ حَذِر – كَثِيرُ الْحذر.
-
فَطِن: مِنَ الْفِعْلِ فَطن – كَثِيرُ الفطنة.
-
نَهِم: مِنَ الْفِعْلِ نَهم – كَثِيرُ الأكل.
-
شُرُوطُ اشْتِقَاقِ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ
لِكَيْ تُشْتَقَّ صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ مِنَ الْفِعْلِ، يَجِبُ مُرَاعَاة مَا يَلِي:
-
أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ ثُلَاثِيَّةٌ غَالِبًا ، وَإِنِ اشْتُقَ أَحْيَانًا مِنْ غَيْرِ الثُّلَاثِيِّ فَهُوَ قَلِيلٌ.
-
أَنْ يُفِيدَ الْحُدُوثَ أَوِ الِاسْتِمْرَارَ أَوِ التِّكْرَارَ .
-
أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ مُنْضَبِطَةً بِالْوَزْنِ الْقِيَاسِيِّ الْمَعْرُوفِ .
-
أَنْ تَكُونَ الصِّيغَةُ مَشْهُورة فِي الِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِيِّ ، فَلَا تُعَدُّ كُلُّ صِيغَةٍ صَحِيحَةٍ صَرْفِيَّةٍ مَقْبُولَةً نَحْوِيَّةً.
إعمال صِيَغِ الْمُبَالَغةِ وَإِعْرَابُهَا
إعمال صيغ المبالغة: تعمل صيغ المبالغة عمل فعلها الأصلي (المتعدي أو اللازم) بشروط معينة، فتَرفع فاعلًا وتنصب مفعولًا به (إذا كان فعلها متعديًا). إليك أهم الحالات مع أمثلة مضبوطة بالشكل:
- أن تكون مُعرَّفة بـ "أل":
- المِعْطَاءُ الفقراءَ مالَهُ مَأْجُورٌ. (المِعْطَاءُ: مبتدأ مرفوع، الفقراءَ: مفعول به أول منصوب لصيغة المبالغة، مالَهُ: مفعول به ثانٍ لصيغة المبالغة ، ومأجور: خبر مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة).
- أن تكون نكرة مُنوَّنة ودالة على الحال أو الاستقبال، وتعتمد على:
- نفي: مَا كَذَّابٌ المؤمنُ أخاهُ. (كَذَّابٌ: صيغة مبالغة عاملة عمل فعلها، المؤمنُ: فاعل مرفوع لصيغة المبالغة، أخاهُ: مفعول به منصوب لصيغة المبالغة).
- استفهام: أَفَهَّامٌ الطالبُ الدرسَ؟ (فَهَّامٌ: صيغة مبالغة عاملة عمل فعلها، الطالبُ: فاعل مرفوع لصيغة المبالغة، الدرسَ: مفعول به منصوب لصيغة المبالغة).
- نداء: يَا غَفَّارَ الذنوبَ اغفرْ لي. (غَفَّارَ: منادى منصوب، الذنوبَ: مفعول به منصوب لصيغة المبالغة).
- مبتدأ: العَاقِلُ حَذِرٌ عواقبَ الأمورِ. (حَذِرٌ: خبر مرفوع، عواقبَ: مفعول به منصوب لصيغة المبالغة، الأمورِ: مضاف إليه مجرور).
- موصوف: رَأَيْتُ رَجُلًا كَرِيمًا طبعُهُ. (كَرِيمًا: صفة منصوبة، طبعُهُ: فاعل مرفوع لصيغة المبالغة).
إن إعمال صيغ المبالغة يثري التعبير ويمنحه قوة تأثير ودقة في وصف الأحداث والأشخاص.
مِنْ أَمْثِلَة صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ
-
الرَّجُلُ صَبَّارٌ عَلَى الْبَلَاءِ .
-
صَبَّارٌ : خَبَرٌ مَرْفُوعٌ يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الصَّبْرِ، يَعْمَلُ عَمَلَ فِعْلِهِ، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هو"
-
-
الْمُعلِّمُ فَتَّاحٌ عُقُولَ طُلَّابِهِ بِالْعِلْمِ .
-
فَتَّاحٌ : خَبَرٌ مَرْفُوعٌ، رَفَعَ فَاعِلَهُ "هو"، وَنَصَب "عُقُولَ" كمفْعُولٍ بِهِ.
-
-
الطِّفْلُ لعَّاب الْكُرَةَ .
-
لعَّابٌ : خَبَرٌ يَعْمَلُ عَمَلَ فِعْلِهِ، وفاعله ضمير مستتر تقديره "هو" وَ"الْكُرَةَ" مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ.
-
ما هوالْفَرْقُ بَيْنَ اسمِ الفَاعِلِ وَصِيغة الْمُبَالَغَةِ
أما من ناحية الفرق بين اسم الفاعل وصيغة المبالغة فهو يتمثل في أن اسم الفاعل يدل على مَنْ قام بالفعل، أمَّا صيغة المبالغة تختلف عن اسم الفاعل في أنها تدل على مَنْ قام بالفعل ولكن على سبيل المبالغة والكثرة.
وَجْهُ الْمُقَارْنَةِ | اسم الفاعل | صِيغَةُ الْمُبَالَغَةِ |
---|---|---|
المَعْنِي | حُدُوثُ الْفِعْلِ | تِكْرَارُ الْفِعْلِ أَوْ شِدَّتُهُ |
الْوَزْنُ | فَاعِلٌ (غَالِبًا) | أوْزَانٌ مُتَعَدَّةٌ (فَعَّال، فَعُول...) |
دَلَالةُ التِّكْرارِ | لا يفِيدُ غَالِبًا | تُفِيدُ التِّكْرَارَ وَالْكَثْرَةَ |
تدريبات على صيغ المبالغة
وإليك عزيزي الطالب تدريبات حصرية ومصممة خصيصًا لك لتتقن فن التعامل مع صيغ المبالغة، وكأننا نتنافس في لعبة لغوية ممتعة:
السؤال الأول: لنصطد معًا صيغ المبالغة!
استخرج من الجمل الآتية صيغ المبالغة، وحدد وزن كل منها، وكأنك تكتشف كنوزًا لغوية:
- اللهُ غَفَّارٌ الذنوبَ.
- المؤمنُ كَتُومٌ الأسرارَ.
- الصديقُ مِعْوَانٌ لصديقه في الشدائد.
- الحَذِرُ نَاجٍ من المخاطر.
- إنَّهُ لَصَبُورٌ على البلاءِ.
السؤال الثاني: لنُبدع بصيغ المبالغة!
اذكر صيغة مبالغة من الأفعال الآتية، ثم أدخل كل صيغة في جملة من إنشائك، وكأنك فنان يرسم لوحات بالكلمات:
- رزق
- نام
- أعطى
السؤال الثالث: لنفك شفرة الإعراب!
أعرب الجملة الآتية إعرابًا تفصيليًا، وكأنك محقق لغوي يكشف خبايا التركيب:
- لا يدخلُ الجنةَ نَمَّامٌ.
أتمنى أن تستمتع بهذه التدريبات وتعتبرها تحديًا ممتعًا لقدراتك اللغوية! هيا، انطلق وأرني براعتك!
الأسِئلةُ الشَّائِعَةُ
الإِجَابَةُ: لا، تُشْتَقُّ غَالِبًا مِنَ الْأَفْعَالِ الثُّلَاثِيَّةِ، خُصُوصًا الْمُتَعَدِّيَةِ، وَقَدْ تُشْتَقُّ مِنْ غَيْرِهَا لَكِنْ نَادِرًا.
الإِجَابَةُ: تَعْمَلُ عَمَلَ الْفِعْلِ بِشُرُوطٍ، مِنْهَا أَنْ تَكُونَ مَعْرِفَةً أَوْ مَسْبُوقَةً بنفي أو استفهام ، مبتدأ، موصوف ، نداء.
الإِجَابَةُ: مِنْ أَبْرَزِهَا: "غَفَّارٌ"، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
"وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ" [طه: 82].
الإِجَابَةُ: نَعَمْ، "شَاكِرٌ" اسْمُ فَاعِلٍ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ الْفِعْلِ، أَمَّا "شَكُورٌ" فَهِيَ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الشُّكْرِ.
الإِجَابَةُ: نَعَمْ، مِثْلَ: "فَهَّامة"، "عَلَّامة"، وَتُؤَنَّثُ حَسَبَ الْحَاجَةِ الْإِعْرَابِيَّةِ.
خاتِمَةُ الْمَقَالِ
تُمَثِّلُ صِيَغُ الْمُبَالَغَةِ أَحَدَ الْكُنُوزِ النَّحْوِيَّةِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، فَهِيَ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ تَشْكِيلَاتٍ لَفْظِيَّةٍ، بَلْ دَلَالاتٌ تَعْبِيرِيَّةٌ تُضْفِي عَلَى النُّصُوصِ قُوََّةً وَبَلَاغةً،وفَهْمُ هَذِهِ الصِّيَغِ وَإِتْقَانُ اسْتِخْدَامِهَا يُعَدُّ مِنْ مَفَاتِيحِ التَّفَوُّقِ فِي الْإِعْرَابِ وَالتَّذَوُّقِ الْأَدَبِيِّ.
وَمِنْ خِلَالِ هَذَا الْمَقَالِ، أَلْقَيْنَا الضَّوْء عَلَى صيغ المبالغة تعريفها ،وأَوْزَانِهَا، وَشُرُوطِهَا، وَأَمْثِلَتِهَا، وَإعمالها مُسْتَنِدِينَ إِلى أُمَّهَاتِ كُتُبِ النَّحْوِ الْعَرَبِيِّ.
المراجع
- 1- النحو الوافي – عباس حسن – الجزء الثالث – دار المعارف.
2- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك – تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد – دار التراث.
3- شذور الذهب في معرفة كلام العرب – ابن هشام الأنصاري – تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
4- قطر الندى وبل الصدى – ابن هشام الأنصاري – تحقيق فخر الدين قباوة – دار المعرفة.
5- المغني اللبيب عن كتب الأعاريب – ابن هشام الأنصاري – دار الفكر.
المراجع
2- شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك – تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد – دار التراث.
3- شذور الذهب في معرفة كلام العرب – ابن هشام الأنصاري – تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد.
4- قطر الندى وبل الصدى – ابن هشام الأنصاري – تحقيق فخر الدين قباوة – دار المعرفة.
5- المغني اللبيب عن كتب الأعاريب – ابن هشام الأنصاري – دار الفكر.